فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

وقال الزمخشري: يضاعف ثوابها لاستحقاقها ضده الثواب في كل وقت من الأوقات المستقبلة غير المتناهية.
وورد تضعيف الحسنة لعشر أمثالها في كتاب الله، وتضعيف النفقة إلى سبعمائة، ووردت أحاديث التضعيف ألفًا وألف ألف، ولا تضاد في ذلك، إذ المراد الكثرة لا التحديد.
وإن أريد التحديد فلا تضاد أيضًا، لأن الموعود بذلك جميع المؤمنين، ويختلف باختلاف الأعمال. اهـ.

.قال الفخر:

لدن: بمعنى عند إلا أن لدن أكثر تمكينا، يقول الرجل: عندي مال إذا كان ماله ببلد آخر، ولا يقال: لدي مال ولا لدني، إلا ما كان حاضرا. اهـ.

.قال الألوسي:

وبالجملة فذلك التضعيف إشارة إلى السعادات الجسمانية، وهذا الأجر إشارة إلى السعادات الروحانية، ولا يخلو عن حسن، ولدن بمعنى عند، وفرق بينهما بعضهم بأن لدن أقوى في الدلالة على القرب، ولذا لا يقال: لديّ مال إلا وهو حاضر بخلاف عند، وتقول: هذا القول عندي صواب، ولا تقول: لدي ولدني كما قاله الزجاج ونظر فيه بأنه شاع استعمال لدن في غير المكان كقوله تعالى: {مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] اللهم إلا أن يخرج ما قاله الزجاج مخرج الغالب. اهـ.

.قال البيضاوي:

{أَجْرًا عَظِيمًا} عطاء جزيلًا، وإنما سماه أجرًا لأنه تابع للأجر مزيد عليه. اهـ.

.قال النسفي:

{وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} ويعط صاحبها من عنده ثوابًا عظيمًا، وما وصفه الله بالعظم فمن يعرف مقداره مع أنه سمى متاع الدنيا قليلًا. وفيه إبطال قول المعتزلة في تخليد مرتكب الكبيرة مع أن له حسنات كثيرة. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه لابد من الفرق بين هذا وبين قوله: {وَإِن تَكُ حَسَنَةً يضاعفها} والذي يحظر ببالي والعلم عند الله، أن ذلك التضعيف يكون من جنس ذلك الثواب، وأما هذا الأجر العظيم فلا يكون من جنس ذلك الثواب، والظاهر أن ذلك التضعيف يكون من جنس اللذات الموعد بها في الجنة، وأما هذا الأجر العظيم الذي يؤتيه من لدنه، فهو اللذة الحاصلة عند الرؤية، وعند الاستغراق في المحبة والمعرفة، وإنما خص هذا النوع بقوله: {مِن لَّدُنْهُ} لأن هذا النوع من الغبطة والسعادة والبهجة والكمال، لا ينال بالأعمال الجسدانية، بل إنما ينال بما يودع الله في جوهر النفس القدسية من الاشراق والصفاء والنور، وبالجملة فذلك التضعيف إشارة إلى السعادة الجسمانية، وهذا الأجر العظيم إشارة إلى السعادة الروحانية. اهـ.

.قال ابن القيم:

الله سبحانه أخبر وهو الصادق الوفي أنه إنما يعامل الناس بكسبهم ويجازيهم بأعمالهم ولا يخاف المحسن لديه ظلما ولا هضما ولا يخاف بخسا ولا رهقا ولا يضيع عمل محسن أبدا ولا يضيع على العبد مثقال ذرة لا يظلمها وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما وإن كان مثقال حبة من خردل جازاه بها ولا يضيعها عليه وأنه يجزي بالسيئة مثلها ويحبطها بالتوبة والندم والاستغفار والحسنات والمصائب ويجزي بالحسنة عشر أمثالها ويضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وهو الذي أصلح الفاسدين وأقبل بقلوب المعرضين وتاب على المذنبين وهدى الضالين وأنقذ الهالكين وعلم الجاهلين وبصر المتحيزين وذكر الغافلين وآوى الشاردين وإذا أوقع عقابا أوقعه بعد شدة التمرد والعتو عليه ودعوة العبد إلى الرجوع إلى إليه والإقرار بربوبيته وحقه مرة بعد مرة حتى إذا يأس من استجابته والإقرار بربوبيته ووحدانيته أخذه ببعض كفره وعتوه وتمرده بحيث يعذر العبد من نفسه ويعترف بأنه سبحانه لم يظلمه وأنه هو الظالم لنفسه كما قال تعالى عن أهل النار: {فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير} وقال عمن أهلكهم في الدنيا أنهم لما رأوا آياته وأحسوا حصيدا بعذابه {قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين}.
وقال أصحاب الجنة التي أفسدها عليهم لما رأوها {قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين}.
قال الحسن لقد دخلوا النار وإن حمده لفي قلوبهم ما وجدوا عليه حجة ولا سبيلا ولهذا قال تعالى: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}.
فهذه الجملة في موضع الحال أي قطع دابرهم حال كونه سبحانه محمودا على ذلك فقطع دابرهم قطعا مصاحبا لحمده فهو قطع وإهلاك يحمد عليه الرب تعالى لكمال حكمته وعدله ووضعه العقوبة في موضعها الذي لا يليق به غيرها فوضعها في الموضع الذي يقول من علم الحال لا تليق العقوبة إلا بهذا المحل ولا يليق به إلا العقوبة ولهذا قال عقيب إخباره عن الحكم بين عباده ومصير أهل السعادة إلى الجنة وأهل الشقاء إلى النار {وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} فحذف فاعل القول إشعارا بالعموم وأن الكون كله قال: الحمد لله رب العالمين لما شاهدوا من حكمه الحق وعدله وفضله ولهذا قال في حق أهل النار {قيل ادخلوا أبواب جهنم} كأن الكون كله يقول ذلك حتى تقوله أعضاؤهم وأرواحهم وأرضهم وسماؤهم وهو سبحانه بخبر أنه إذا هلك أعداءه أنجى أولياءه ولا يعمهم بالهلاك بمحض المشيئة ولما سأله نوح نجاة ابنه أخبر أنه يغرقه بسوء عمله وكفره ولم يقل إني أغرقه بمحض مشيئتي وإرادتي بلا سبب ولا ذنب وقد ضمن سبحانه زيادة الهداية للمجاهدين في سبله ولم يخبر أنه يضلهم ويبطل سعيهم وكذلك ضمن زيادة الهداية للمتقين الذين يتبعون رضوانه وأخبر أنه لا يضل إلا الفاسقين الذين ينقضون عهده من بعد ميثاقه وأنه إنما يضل من آثر الضلال واختاره على الهدى فيطبع حينئذ على سمعه وقلبه وأنه يقلب قلب من لم يرض بهداه إذا جاءه ولم يؤمن به ودفعه ورده فيقلب فؤاده وبصره عقوبة له على رده ودفعه لما تحققه وعرفه وأنه سبحانه لو علم في تلك المحال التي حكم عليها بالضلال والشقاء خيرا لأفهمها وهداها ولكنها لا تصلح لنعمته ولا تليق بها كرامته وقد أزاح سبحانه العلل وأقام الحجج ومكن من أسباب الهداية وأنه لا يضل إلا الفاسقين والظالمين ولا يطبع إلا على قلوب المعتدين ولا يركس في الفتنة إلا المنافقين بكسبهم وأن الرين الذي غطى به قلوب الكفار وهو عين كسبهم وأعمالهم كما قال: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}. اهـ.

.قال النيسابوري في الآيات السابقة:

{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)}.
ثم بيّن أنه ليس بعد الضرب إلا المحاكمة فقال: {وإن خفتم} قال ابن عباس: أي علمتم وذلك لإصرارها على النشوز حيث لم يؤثر فيها الوعظ والهجران والضرب. واعترض عليه الزجاج بأنه إذا علم الشقاق قطعًا فلا حاجة إلى الحكمين. وأجيب بأن الشقاق معلوم إلاّ أنا لا نعلم أن سبب الشقاق منه أو منها، فالحاجة إلى الحكمين لهذا المعهنى. أو نقول: المراد إزالة الشقاق في الاستقبال، ومعنى {شقاق بينهما} شقاقًا بينهما، فأضيف الشقاق إلى الظرف على سبيل الاتساع وهو إجراء الظرف مجرى المفعول به، أو على جعل البين مشاقًا مثل نهاره صائم والضمير للزوجين يدل عليهما مساق الكلام، أو ذكر الرجال والنساء {فابعثوا حكمًا من أهله} رجلًا مقنعًا رضًا يصلح لحكومة الإصلاح بينهما ويهتدي إلى المقصود من البعث.
ولابد فيه من العقل والبلوغ والحرية والإسلام، ويستحب أن يكون الحكمان من أهلهما لأن الأقارب أعرف ببواطن أحوالهما وتسكن إليهما نفوس الزوجين، فيبرزان لهما ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة، وموجبات كل من الأمرين. وينبغي أن يخلو حكم الرجل بالرجل وحكم المرأة بالمرأة فيعرفان ما عندهما وما فيه رغبتهما، وإذا اجتمعا لم يخف أحدهما عن الآخر ما علم. ثم المبعوثان وكيلان من جهة الزوجين أو موليان من جهة الحكام المخاطبين بقوله: {فابعثوا} فيه للشافعي قولاه:- أصحهما وبه قال أبو حنيفة وأحمد- أنهما وكيلان لأن البضع حق الزوج والمال حق الزوجة وهما رشيدان. والخطاب في قوله: {فإن خفتم} وفي {فابعثوا} لصالحي الأمة لأنه يجري مجرى دفع الضرر، فلكل أحد أن يقوم به. وثانيهما- وبه قال مالك- أنهما موليان لأنه تعالى سماهما الحكمين. ولما روي أن عليًا عليه السلام بعث حكمين من زوجين فقال: أتدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا فاجمعا وإن رأيتما أن تفرّقا ففرقا. وعلى الأول يوكل الرجل الذي هو من أهله بالطلاق وبقبول العوض في الخلع، والمرأة الآخر ببذل العوض وقبول الطلاق، ولا يجوز بعثهما إلا برضاهما فإن لم يرضيا ولم يتفقا على شيء أدب القاضي الظالم واستوفى حق المظلوم. وعلى الثاني لا يشترط رضا الزوجين في بعث الحكمين. {إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما} فيه أربعة أوجه. الأول: إن يرد الحكمان خيرًا يوفق الله بين الحكمين حتى يتفقا على ما هو خير. الثاني: إن يرد الزوجان إصلاحًا أبدل الله الزوجين بالشقاق وفاقًا. الثالث: إن يرد الحكمان إصلاحًا يؤلف الله بين الزوجين. الرابع: إن يرد الزوجان خيرًا يوفق الله بين الحكمين حتى تتفق كلمتاهما ويحصل الغرض، والتوفيق جعل الأسباب موافقة للغرض ولا يستعمل إلا في الخير والطاعة. وفيه أنه لا يتم شيء من الأغراض إلاّ بتوفيق الله تعالى وتيسيره {إنّ الله كان عليمًا خبيرًا} فيوفق بين المختلفين ويجمع بين المفترقين بمقتضى علمه وإرادته. وفيه وعيد للزوجين والحكمين في سلوك ما يخالف طريق الحق ووعد على الجد في حسم مادة الخصومة والخشونة.
ثم أرشد إلى مجامع الأخلاق الحسنة بقوله: {واعبدا الله ولا تشركوا به شيئًا} فإن من عبد الله وأشرك به شيئًا آخر فقد حبط عمله وضل سعيه {وبالوالدين إحسانًا} تقديره وأحسنوا بهما إحسانًا. يقال: أحسن بفلان وإلى فلان. {وبذي القربى واليتامى والمساكين} وقد مر تفاسيرها في البقرة. قال أبو بكر الرازي: إن اضطر إلى قتل أبيه بأن يخاف أن يقتله إن ترك قتله جاز له أن يقتله {والجار ذي القربى} الذي قرب جواره {والجار الجنب} الذي بعد جواره.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه، ألا وإن الجوار أربعون دارًا» وعن الزهري أنه أراد أربعين من كل جانب. وقيل: الجار ذي القربى الجار القريب النسب، والجار الجنب الأجنبي. والتركيب يدل على البعد، ومنه الجانبان للناحيتين، والجنبان لبعد كل منهما عن الآخر، ومنه الجنابة لبعده عن الطهارة وعن حضور الجماعة والمسجد ما لم يغتسل. ومن قرأ {الجنب} فمعناه المجنوب مثل خلق بمعنى مخلوق، أو المراد ذي الجنب فحذف المضاف {والصاحب الجنب} وهو الذي حصل بجنبك إما رفيقًا في سفر، وإما جارًا ملاصقًا، وإما شريكًا في تعلم أو حرفة، وإما قاعدًا إلى جنبك في مجلس، أو في مسجد أو غير ذلك من أدنى صحبة اتفقت بينك وبينه، فعليك أن تراعي ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الإحسان، وقيل: الصاحب بالجنب المرأة فإنها تكون معك وتضطجع إلى جنك {وابن السبيل} المسافر الذي انقطع عن بلده، أو الضيف {وما ملكت أيمانكم} عن علي بن أبي طالب أنه كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم {وما ملكت أيمانكم} وذكر اليمين تأكيد كما يقال: مشيت برجلي. والإحسان إليهم أن لا يكلفهم فوق طاقتهم ولا يؤذيهم بالكلام الخشن، بل يعاشروهم معاشرة جميلة ويعطيهم من الطعام والكسوة ما يليق بحالهم في كل وقت. وكانوا في الجاهلية يسيئون إلى المملوك فيكلفون الإماء البغاء وهو الكسب بفروجهن، ويضعون على العبيد الخراج الثقيل. وقيل: كل حيوان فهو مملوك. والإحسان إلى كل نوع بما يليق بحاله طاعة عظيمة {إنّ الله لا يحب من كان مختالًا فخورًا} تياهًا جهولًا يتكبر عن إكرام أقاربه وأصحابه ومماليكه، وعن الالتفات إلى حالهم والتفقد لهم والتحفي بهم، ويأنف من أقاربه إذا كانوا فقراء ومن جيرانه إذا كانوا ضعفاء. وأصله من الخيلاء الكبر، والفخور المتطاول الذي يعد مناقبه، وعن ابن عباس هو الذي يفخر على عباد الله تعالى بما أعطاه من أنواع نعمه، ولعل هذا يجوز على سبيل التحدث بالنعم فقط {الذي يبخلون} البخل في اللغة منع الإحسان، وفي الشرع منع الواجب. وفيه أربع لغات: البخل مثل الفقر، والبخل بضم الباء وسكون الخاء، وبضمهما، وبفتحهما. وسبب النظم أن الإحسان إلى الأصناف المذكورين إنما يكون في الأغلب بالمال فذم المعرضين عن ذلك الإحسان لحب المال، ويحتمل أن يشمل البخل بالعلم أيضًا، أي يبخلون بذات أيديهم وبما في أيدي غيرهم مقتًا للسخاء وهذه نهاية البخل. وفي أمثالهم أبخل من الضنين بنائل غيره وقد عابهم بكتمان نعمة الله وما آتاهم من فضل الغنى حتى أوهموا الفقر مع الغنى، والإعسار مع اليسار، والعجز مع الإمكان فخالفوا سنة نبي الله صلى الله عليه وسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله تعالى يحب أن يرى على بعده أثر نعمته» وبنى عامل للرشيد قصرًا حذاء قصره فنم به عنده، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إن الكريم يسره أن يرى أثر نعمته فأحببت أن أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك فأعجبه كلامه. ثم إن هذا الكتمان قد يقع على وجه يوجب الكفر مثل أن يظهر الشكاية من الله تعالى ولا يرضى بقضائه فلذلك قال: {وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا} ويحتمل أن يراد كافر النعمة لا كافر الإيمان. وقال ابن عباس: إنّ الآية في اليهود، كانوا يأتون رجالًا من الأنصار يخالطونهم وينتصحون لهم يقولون: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ولا تدرون ما يكون. وأيضًا وإنهم كتموا صفة محمد ولم يبينوها للناس. ثم لما ذمّ الذين لا ينفقون أموالهم عطف عليهم الذين ينفقون أموالهم ولكن ريا وفخارًا وليقال ما أسخاهم وما أجودهم لا ابتغاء وجه الله، ومثل هذا الإنفاق دليل على أنه لا يؤمن بالله واليوم الآخر وإلاّ أنفق لله أو للآخرة {ومن يكن الشيطان له قرينًا} في الدنيا آمرًا بالبخل والفحشاء {فساء قرينًا} في الآخرة يقرن به في النار. ثم استفهم على سبيل الإنكار فقال: {وماذا عليهم} أي أيّ تبعة ووبال عليهم؟ أو ما الذي عليهم في باب الإيمان والإنفاق في سبيل الله؟ والمراد التوبيخ وإلاّ فكل منفعة في ذلك كما يقال للمنتقم: ما ضرك لو عفوت؟ وللعاق: ما كان يرزؤك لو كنت بارًا؟ {وكان الله بهم عليمًا} بعث على إصلاح أفعال القلوب التي يطلع عيلها علام الغيوب، وردع عن دواعي النفاق والرياء والسمعة والفخار. احتج القائلون بأن الإيمان يصح على سبيل التقليد بأن قوله: {وماذا عليهم لو آمنوا} مشعر بأن الإتيان بالإيمان في غاية السهولة والاستدلال في غاية الصعوبة. وأجيب بأن الصعوبة في افيمان الاستدلالي التفصيلي لا الإجمالي. وقال جمهور المعتزلة: لو كانوا غير قادرين لم يقل: {وماذا عليهم} كما لا يقال للمرأة ماذا عليها لو كانت رجلًا، وللقبيح ماذا عليه لو كان جميلًا. وأجيب بعدم التحسين والتقبيح العقليين وأنه لا يسأل عما يفعل.